«العمو» أو أحمد عمر الفيتوري الدباشي، أحد أخطر مهربي البشر في غرب ليبيا خلال العقد الأخير،اسمٌ ارتبط على نحو مباشر بجرائم الاتجار بالبشر،الرق، التعذيب، القتل، الهجرة غير النظامية، والارتباط بالتنظيمات الإرهابية.
فمنذ عام 2015، تحوّل الدباشي إلى عنصر رئيسي في اقتصاد الجريمة المنظمة، قبل أن يُدرج اسمه على قوائم العقوبات الدولية، ويصبح مطلوبًا للعدالة محليًا ودوليًا.
من صبراتة إلى شبكات التهريب العابرة للحدود:
برز اسم الدباشي في مدينة صبراتة الساحلية غرب البلاد, مستغلًا حالة الانفلات الأمني بعد 2011، ليؤسس واحدة من أكبر شبكات تهريب المهاجرين غير النظاميين نحو السواحل الإيطالية.
ووفق تقارير أممية، تولّت مجموعته احتجاز المهاجرين، ابتزاز ذويهم، تعذيبهم، واستعبادهم، قبل السماح لمن يدفع بالمغادرة عبر قوارب الموت.
وتشير التقديرات إلى أن أنشطة شبكته أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في مقتل آلاف المهاجرين غرقًا في البحر الأبيض المتوسط، ما جعل اسمه يتردد باستمرار في تقارير المنظمات الحقوقية الدولية.
تشكيل ميليشيا مسلحة وبناء نفوذ عسكري:
في عام 2015، ولإحكام سيطرته على المنطقة، شكّل الدباشي ميليشيا مسلحة حملت اسم ابن عمه أنس الدباشي، الذي قُتل بإطلاق نار في ظروف غامضة.
وسرعان ما تحولت هذه الميليشيا إلى أكبر عصابات الهجرة غير الشرعية في الغرب الليبي، حيث ضمّت ما لا يقل عن 500 عنصر مسلح.
كما عزّز نفوذه عبر التحالف مع كتيبة 48 مشاة، التي يُقال إن شقيقه كان يقودها، وتضم نحو 350 مقاتلًا، ما وفّر له غطاءً عسكريًا مكّنه من فرض نفوذه بالقوة.
علاقات مشبوهة مع الإرهاب:
أكد تقرير مجلس الأمن الدولي لعام 2018 أن أحمد الدباشي لم يكن مجرد مهرّب، بل قائد ميليشياوي له علاقات وثيقة مع تنظيم داعش الإرهابي والجماعات المتطرفة المتحالفة معه.
وأشار التقرير إلى أن ميليشياته ضمّت عناصر من داعش، من بينهم عبد الله الدباشي“أبوماريا”، الذي شغل سابقًا منصب “أمير التنظيم” في صبراتة، وأن هذه العلاقة جاءت في إطار تأمين المصالح المشتركة بين التهريب والإرهاب.
كما رصدت الأجهزة الأمنية في صبراتة وجود صلة قوية وتنسيق بين جماعة الدباشي في صبراتة، وكل من الإريتري مدهين، وزعيم تنظيم داعش السابق في طرابلس، محمد المدهوني، وشعبان الزوي، الرجل القوي المتطرف (محسوب على تنظيم القاعدة) في مدينة الزاوية المجاورة للعاصمة.
وفي عام 2016، ومع سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من صبراتة، استطاع الدباشي المناورة والتحالف المرحلي مع التنظيم، إلى أن تعرّض اجتماع لقيادات داعش لضربة جوية أميركية أسفرت عن مقتل نحو 50 عنصرًا.
العقوبات الدولية والملاحقة القضائية:
• 2017: إدراج اسم الدباشي على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي.
• 2018: فرضت الولايات المتحدة عقوبات مباشرة عليه، ووصفت واشنطن الدباشي بأنه“زعيم إحدى منظمتين قويتين لتهريب المهاجرين في صبراتة”.
استخدم منظمته لسرقة واستعباد المهاجرين قبل السماح لهم بالمغادرة إلى إيطاليا”.
كما أصبح مطلوبًا للتحقيق أمام محكمة الجنايات الدولية، إضافة إلى مذكرات توقيف صادرة عن سلطات طرابلس ومكتب النائب العام، بتهم تشمل القتل، التعذيب، الإخفاء القسري، والاتجار بالبشر.
شبكات مصالح غير رسمية:
على غرار العقوبات الدولية والاتهامات الموجهة له، أظهرت تقارير صحفية وخبراء أن أحمد الدباشي كان له مصالح غير رسمية مع بعض الجهات الإيطالية، مرتبطة أساسًا بمحاولة الحد من تدفق المهاجرين عبر السواحل الليبية إلى أوروبا.
فقد اعتمدت السلطات الإيطالية، بشكل غير مباشر، على شبكاته لضبط حركة القوارب المهاجرة، مقابل تسهيلات مالية أو حماية لمصالحه المحلية في صبراتة, هذه العلاقة لم تكن دبلوماسية أو رسمية، بل كانت شبكة مصالح عملية تتقاطع عند الملفات الأمنية والاقتصادية، ما مكّن الدباشي من تعزيز نفوذه محليًا واستثمار موقعه في التهريب كوسيلة ضغط واستفادة مالية.
وفي أواخر صيف 2015، أفادت التقارير أن الدباشي توصل إلى اتفاق مع شركة « إيني » الايطالية للنفط يقضي بتوفير الحماية لمنشآتها في مليتة من قبل عناصر كتيبته، وقد حفّز اختطاف فنيي الشركة قرب المنشأة في أغسطس 2015 على التعجيل بتوقيع هذا الاتفاق الذي منحه نفوذاً قوياً على تجارة وتهريب موارد الطاقة في غرب ليبيا مع الحصول على مبلغ خمسة ملايين دولار عدا ونقدا من الجانب الايطالي, وهي قضية وصلت التحقيقات فيها إلى أطراف في الحكومة في روما نفسها، بعد أن جرى اتهام جماعة الدباشي بأنها مجرد مافيا على علاقة بمتطرفين.
قضية رهف الكرشودي… الجريمة التي فجّرت الغضب:
في فبراير 2024، انتشر على نطاق واسع مقطع فيديو صادم يظهر فتاة ليبية تُدعى رهف الكرشودي،في وضع مهين, مقيدة بالسلاسل من رقبتها، وعليها آثار تعذيب شديد، بينما يظهر الدباشي بجانبها متحدثًا، في مشهد أثار عاصفة غضب عارمة في ليبيا.
و وقد فُتح بشأنها ملف قضائي، مع توجيه اتهامات مباشرة إلى الدباشي ومجموعته المسلحة.
وبعد أيام، أعلنت الأجهزة الأمنية العثور على الفتاة مقتولة في 21 فبراير 2024، ما زاد من تأزيم الموقف.
وقالت منظمة «ضحايا» لحقوق الإنسان إن هذه المقاطع استوجب التدخل العاجل من وزارة الداخلية ومكتب النائب العام، لكشف التفاصيل والقبض على الجاني وتقديمه للعدالة.
سقوط «العمو» ونهاية مرحلة دامية:
بعد سنوات من الإفلات من العقاب، انتهت مسيرة أحمد الدباشي باعتباره أحد أخطر رموز الجريمة المنظمة في ليبيا، وشخصية لعبت دورًا محوريًا في المس من الأمن، وتهديد السلم الاجتماعي، وزعزعة الاستقرار في ليبيا والمنطقة، وفق توصيف مجلس الأمن الدولي خلال عملية أمنية أعقبت هجوما استهدف إحدى نقاط الجهاز في مدينة صبراتة.
يمثل سجل أحمد الدباشي الإجرامي نموذجًا صارخًا لكيف يمكن لاقتصاد الحرب والفوضى أن يصنع زعماء تهريب وميليشيات، قادرة أن تتحول إلى عبء أمني وإنساني محلي ودولي.




